بقلم طارق سلطان
نائب رئيس مجلس الإدارة، أجيليتي
لا شيء يوضح الوضع غير المتزن لسلاسل الإمداد مثل وفرة حاويات الشحن التي ظهرت مؤخراً وبشكل مفاجئ.
فقبل بضعة أشهر، كان الشاحنون يتكبدون أسعاراً قياسية للشحن البحري تتجاوز خمسة إلى عشرة أضعاف مستويات ما قبل الجائحة نتيجة لعدم توفر سعات الشحن ونقص الحاويات على مستوى العالم. أما اليوم، فتشير تقديرات شركة درووري ”Drewry“ إلى أن هناك ما يزيد عن ستة ملايين حاوية عشرين قدم متاحة في السوق.
أيضاً، تظهر تلك الاضطرابات العنيفة في جميع أرجاء سلاسل الإمداد، فهناك نقص في أشباه الموصلات ومواد التغليف وقطع غيار المركبات، علاوة على زيادة المعروض من الملابس والأجهزة المنزلية والأدوات الكهربائية والأثاث الخارجي، والنقص الحاد في إمدادات سلع استراتيجية مثل النفط والحبوب.
لا شك أن كل هذا يرفع التكلفة ويضاعف المخاطر ويعقّد التخطيط. ففي الولايات المتحدة وحدها، أدى اضطراب سلاسل التوريد إلى ارتفاع تكاليف الخدمات اللوجستية على الشركات بنسبة 22% العام الماضي، وفقاً لمجلس محترفي إدارة سلاسل الإمداد (CSCMP).
فهل يتعين على الشركات الآن اتخاذ موقفاً هجومياً أم دفاعياً؟ في الواقع، يجب على الشركات الجمع بين الموقفين. وإليكم مجموعة من الطرق حول كيفية تعامل الشركات مع تلك التقلبات.
1. إعادة ضبط المخزون
يتجه كبار تجار التجزئة ممن لديهم مستودعات تعجّ بالبضائع وفائض في المخزون إلى تجار الاستوكات الذين يشترون البضائع الزائدة والمرتجعة ويبيعونها بأسعار مخفضة، بينما يعمد تجار تجزئة آخرون إلى تقليص عدد وحدات حفظ المخزون (SKU) الموجودة في مخازنهم، أو إلى تعليق مؤقت لعملية الشراء، أو قد يطلبون من الموردين تأخير أو تقليص شحنات البضائع التي تم طلبها بالفعل.
كما، يعاني العديد من تجار التجزئة وشركات التجارة الإلكترونية الذين يمتلكون كميات كبيرة من المخزون من ضائقة مالية، وهم بدورهم يدفعون الموردين لخيارات تمديد فترات الدفع بل وحتى تقديم التمويل لمساعدتهم على إدارة رأس مالهم العامل بشكل أفضل.
وبالرغم من ذلك، وبينما تكافح بعض الشركات لتقليص نشاطها، تتسابق شركات أخرى لزيادة حجمها.
حيث لم تزل بعض العلامات التجارية الراقية والمتخصصة – مثل Lululemon – تثمّن عناصر السرعة والتوافر، وتنفق بشكل كبير على الشحن الجوي بغرض ضمان تجنّب نفاد المخزون. وبالمثل، وبالرغم من وجود إشارات دالة على ركود سوق الإسكان، يقوم بناة المنازل ومطورو الشقق بتسريع شراء بعض العناصر، مثل تركيبات الحمامات وأحواض الاستحمام الساخنة، التي كان بالكاد يمكن الحصول عليها أثناء الجائحة.
في الوقت ذاته، تواجه صناعة السيارات تراكماً كبيراً في الطلبات ويصعب عليها تلبية طلب المستهلكين بسبب نقص رقائق الكمبيوتر والأجزاء المهمة الأخرى. وفي هذا الصدد، أفادت جنرال موتورز أنها لن تتمكن من تسليم 100,000 سيارة في الربع الثاني من العام بسبب نقص المكونات.
وقد أسفر ارتفاع أسعار الفائدة عن خلق توازن صعب. حيث اعتادت الشركات على خفض المخزون عند ارتفاع أسعار الفائدة، تماماً كما حدث هذا العام، نظراً لأن ارتفاع أسعار الفائدة ينتج عنه ارتفاع بالمصروفات المتعلقة بتخزين البضائع غير المباعة.
يقول مراقب الصناعة بين أونغليزبي من شركة Retail Dive: ”إذا كنت تعرف أي شخص يعمل في مجال التنبؤ بطلبات الشراء أو إدارة المخزون لمتاجر التجزئة، يمكنك البدء بإظهار الودّية له“.
2. إعادة التفاوض على العقود
أظهرت أسعار الشحن البحري والنقل البري علامات تراجع عن المستويات القياسية المرتفعة، الأمر الذي دفع الشاحنون إلى معاودة فتح عقود شركات الشحن لإعادة التفاوض بشأن أسعارهم أو اللجوء إلى خيار شراء مساحة فورية عندما تنخفض الأسعار إلى ما دون المعدلات المتعاقد عليها.
ومع ذلك، تقول منصة ”Xeneta“، وهي منصة مرجعية للشحن البحري والجوي، إن الأسعار التي تم التفاوض بموجبها في اتفاقيات الشحن في يوليو 2022 كانت أعلى بنسبة 112% عمّا كانت عليه في يوليو 2021، وأعلى بنسبة 280% من الأسعار في يوليو 2019.
عن هذا يقول باتريك بيرغلوند، الرئيس التنفيذي لشركة ”Xeneta“: ”تمتعت شركات الشحن بزيادات مذهلة في الأسعار، مدفوعة بعوامل مثل الطلب القوي، ونقص المعدات، والازدحام، وحالة عدم اليقين التي خلّفتها جائحة كورونا طوال سبعة عشر شهراً من الأشهر التسعة عشر الأخيرة. ولقد شهد شهر يوليو المزيد من الصعود، بيد أن المؤشرات تظهر بوضوح أن هناك (تحوّلاً) في المعنويات مع تطور بعض الأساسيات“.
3. تغيير الموردين ومواقع التصنيع ودورات الإنتاج
تعمد شركات أشباه الموصلات إلى زيادة الموردين، وتنويع مواقع الإنتاج، ومحاولة زيادة المخزون الاحتياطي وسط حالة نقص الرقائق العالمي. وفي المقابل، تقوم كلوروكس بالتخلص من الموردين الذين جلبتهم أثناء الجائحة عندما احتاجت لضمان الإمدادات.
أما شركتي ”Lego“ و”Gap“ فهما من الشركات التي تعمل على توسيع نطاق التصنيع وتحديد مصادر مواردها لخدمة الأسواق الرئيسية، بغرض خفض الاعتماد على الصين، أو تقليص التكاليف اللوجستية. ووفقاً إلى بلومبيرغ، فإن هناك طفرة بسيطة في بناء إمكانات تصنيعية جديدة في الولايات المتحدة، مدفوعة بالإحباط من اختناقات الموانئ ونقص قطع الغيار وتكاليف النقل الباهظة.
وهناك شركات – من بينها Target و GAP – عجّلت بتصميم منتج جديد وطلبيات سلع معينة لإدخالها في الإنتاج الخارجي مبكراً. ومن خلال إطالة دورات الإنتاج، تأمل تلك الشركات في ضمان الإمدادات الكافية من العناصر التي يرون أنها ستلقى رواجاً، حتى مع المخاطرة بعدم تماشيها مع أذواق المستهلكين.
4. فرض رسوم على المرتجعات
بات المستهلكون يتوقعون أن بإمكانهم إعادة المنتجات التي يشترونها عبر شبكة الإنترنت مجاناً. إلا أن هذا قد تغيّر، فقد ذكر موقع Footwear News مؤخراً 23 تاجر تجزئة ممن فرضوا رسوماً على المرتجعات هذا العام.
حيث فرضت العلامة التجارية للملابس ”Zara“ مؤخراً رسوماً على مرتجعات مشتريات التجارة الإلكترونية في بعض الدول الأوروبية، على الرغم من أنه يمكن للمشترين إرجاع المشتريات عبر الإنترنت مجاناً في متاجرها. عن هذا أفادت شركات البيع بالتجزئة في المملكة المتحدة – مثل ”Boohoo” و ”Asos“ – مؤخراً أن المرتجعات المتزايدة تضر بصافي المبيعات، وأعلنت Boohoo أنها قد تفرض رسوماً على المرتجعات.
5. منح العاملين مرونة جديدة
تحولت شركة توزيع المواد الغذائية العالمية ”Sysco“ إلى نظام أربع أيام عمل بالأسبوع بدلاً من خمسة بغرض التركيز على الاحتفاظ بموظفيها، واصفة نفسها بأنها ”صاحب عمل أكثر تفضيلاً”. وتنطبق سياسة ”Sysco” الجديدة على سائقي الشاحنات وشركاء المستودعات. علاوة على ذلك، يأتي هذا التحول في الوقت الذي قامت فيه الشركة بتحويل نموذج التسليم الخاص بها من خمسة أيام في الأسبوع إلى ستة أيام لتعزيز استخدام الأصول، مما ينعكس فعلياً في ارتفاع تكاليف العمل الإضافي الذي ستدفعه سيسكو لموظفيها.
6. تسريع التكنولوجيا والأتمتة والاستثمار
إن حجم ووتيرة الاستثمار في مجال التكنولوجيا والأتمتة مذهل جداً. فمثلاً أعلنت شركة ”Nike“ مؤخراً عن أكبر إنفاق لها على الإطلاق على عملية التحول الرقمي. فعلى أمل تحسين الإنتاجية والكفاءة، تعتزم “Nike“ طرح نظام جديد لتخطيط مواردها المؤسسية عبر شبكتها العالمية بدءاً من هذا العام.
وفي الوقت ذاته، تراهن شركة ”Procter & Gamble“ بشكل كبير على الحوسبة السحابية من مايكروسوفت لتعزيز كفاءة التصنيع ونقل المنتجات إلى العملاء بشكل أسرع، علاوة على تحسين الإنتاجية الإجمالية وخفض التكلفة. كما قامت كل من ”Heinz“ و”Unilever” باستثمارات كبيرة في التحليلات التنبؤية الجديدة وقدرات التوأمة الرقمية ونمذجة البيانات.
بالتزامن مع ذلك، تدفع شركات البرمجيات والذكاء الاصطناعي على جعل التوجه نحو تشغيل المستودعات من خلال الروبوتات اتجاهاً سائداً، حيث يشير تقرير صادر عن الرابطة التجارية؛ Material Handling Institute إلى أن اعتماد الروبوتات في المستودعات سوف يقفز بنسبة 50% أو أكثر خلال السنوات الخمس المقبلة.
كما وأنه وفقاً لـ PitchBook Data، استثمرت شركات الأسهم الخاصة مبلغاً قياسياً بلغ 50.6 مليار دولار في الخدمات اللوجستية خلال العام 2021 القياسي السابق، أي ثلاثة أضعاف المبلغ المستثمر في عام 2020، وبزيادة عن العام 2019 بنسبة 34%. ولم تزل تحديات سلاسل التوريد المستمرة تدفعهم إلى البحث عن المزيد الفرص الإحلالية هذا العام.
7. التشديد على ”جودة الإيرادات“
تمكنت الشركات الكبرى في مجال الشحن والتوصيل – UPS و FedEx – من تعزيز الإيرادات والأرباح مع توصيل عدد أقل من الطرود والرسائل. حيث استثمرت كلا الشركتان في تكنولوجيا التتبع والمراقبة وفي جودة الخدمة التي تستهدف العملاء من الشركات الكبيرة، وقامتا بتمرير التكاليف الإضافية، مثل رسوم الوقود، مع إخطار العملاء والسوق بأنهما يركزان على الإيرادات والأرباح لكل طرد، ويسعدهم ترك التعامل مع الأعمال الأقل جاذبية لشركات أخرى في المجال.
8. تأجيل عمليات التوسع
يبدو أن السباق لزيادة سعات التخزين والقدرة على التوزيع والتنفيذ يشهد تباطؤاً ملحوظاً. ولعل شركة أمازون هي أحدث الشركات التي أعلنت عن عزمها على إبطاء المزيد من التوسع على المدى القريب استجابة لتراجع الطلب.
وتلخص شركة FreightWaves – وهي شركة تعمل في مجال تحليلات سوق سلاسل الإمداد – الأمر برمّته بقولها: ”سلاسل الإمداد لن تعود إلى طبيعتها أبداً“.