بقلم طارق سلطان
الرئيس التنفيذي – أجيليتي
عانينا خلال السنتين الماضيتين من سلسلة متواصلة من الأخبار السيئة حول كوكبنا الهش وعدم المساواة في الدخل وعدم المساواة في التطعيم والعديد من المشاكل الأخرى التي تبدو مستعصية على الحل.
فالأخبار اليومية التي تأتينا بالمآسي والكآبة حول تغيّر المناخ وفقدان الوظائف وعدم إمكانية الحصول على اللقاحات ضد فيروس كوفيد تجعلنا نشعر بالقلق والضعف والعجز، وأعتقد أيضاً أنها تمنعنا من إدراك الابتكارات البشرية المذهلة ورؤية الجهود الجبارة التي تبذل لحل هذه المشاكل.
على الجانب المشرق، لفت انتباهي في الفترة الأخيرة عدد من الابتكارات الواعدة التي قد تُحدث تغييراً كبيراً في طريقة تعاملنا مع المشاكل والأحداث:
-
الفولاذ ”الأخضر“ والخرسانة المعززة بثاني أكسيد الكربون
بدأت عدة شركات، بما فيها H2 Green Steel وHybrit السويديتان باستخدام الوقود الهيدروجيني والوقود غير الأحفوري في إنتاج الفولاذ ”الأخضر“. والمعروف أن الفولاذ هو أحد أكثر المواد المستخدمة في العالم، وهو أساسي في أعمال البناء والتصنيع والسلع الاستهلاكية، ومن المعروف أيضاً أن الفولاذ يصنع عادة من خلال عملية تفحيم كثيفة للكربون تعتمد بشكل أساسي على استخدام الفحم، علماً بأن إنتاج طن واحد من الفولاذ بالأسلوب التقليدي ينتج عنه انبعاث حوالي طنّين من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يمثل حوالي 7% من انبعاثات الاحتباس الحراري العالمية.
في هذا الصدد يقول نيلس ألداغ، الرئيس التنفيذي لشركة Sunfire إن الكثيرين يعتقدون بأن الهيدروجين هو الحل لمشكلة الانبعاثات من وسائل النقل، ولكن الواقع هو أن الهيدروجين يمكن أن يكون مصدراً أفضل للطاقة لقطاعات كالصناعات الكيميائية وصناعة الفولاذ.
القلق الذي تسببه هذه المشكلة قائم أيضاً وبدرجة مماثلة بالنسبة لإنتاج الخرسانة والأسمنت. وحسب طريقة قياس الانبعاثات، يعتبر إنتاج الخرسانة مسؤولاً عن 4% إلى 8% من الانبعاثات الكربونية التي يسببها البشر – وأكثر مما يصدر عن الانبعاثات في أي دولة باستثناء الصين والولايات المتحدة، وذلك على أساس سنوي. وتحتاج عملية صنع الخرسانة للصخور والرمل، وبعد ذلك يضاف الاسمنت لربط مختلف المكونات ببعضها البعض بإضافة الماء. ولكي ينتج الأسمنت، نحتاج إلى تسخين خليط من المواد في فرن خاص في عملية ”متسخة“ تنتج عنها كميات كبيرة جداً من ثاني أكسيد الكربون.
ولكن، تبين مؤخراً أن ثاني أكسيد الكربون الصادر عن العمليات الصناعية يمكن حقنه في الخرسانة أثناء عملية التجفيف وذلك لتقوية المنتج النهائي، وهذا ما تقوم به كل من الشركة الكنديةCarbureted والشركة الأميركية Solidia. إن الخرسانة التي لا تنطوي على الكربون آتية بلا شك، ولكن السؤال هو: متى سيحدث ذلك؟ وهذا ما يقوله الخبراء
-
-
مصنع لقاحات كوفيد ”في صندوق“
-
اشتركت شركة BioNTech مع شركة Pfizer في تطوير أول لقاح ضد كوفيد 19 في الغرب. والآن تقول BioNTech إن بإمكانها حل المشكلة المثيرة للقلق والناتجة عن ندرة توريدات اللقاح في أفريقيا، وذلك باستخدام وحدات إنتاج نمطية متنقلة تستطيع كل منها إنتاج ما يصل إلى 50 مليون جرعة في السنة الواحدة.
وتتكون كل وحدة إنتاج للقاح من 12 حاوية شحن يمكن نقلها عن طريق الجو أو البحر أو على الطرق أو بواسطة خطوط السكك الحديدية، ويمكن استخدامها أيضاً لصنع لقاحات لمكافحة الملاريا والسل وأمراض أخرى. والأمر الذي يبعث على الإعجاب بهذا التطور هو أن BioNTech قد تعهدت بتغطية تكاليف التطوير والإنتاج والشحن.
-
القضاء على هدر الغذاء وإطعام الجياع
تفيد بعض التقديرات بأن 40% من الطعام في الولايات المتحدة يتم التخلص منه، أما في أفريقيا فإن نصف أو أكثر من نصف كمية السلع الغذائية القابلة للتلف تفسد قبل أن تصل إلى السوق أو إلى المائدة. والأمر الأدهى من ذلك هو أن هدر الغذاء يساهم بما نسبته حوالي 8% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية.
قامت الشركة الناشئة Goodr بتطوير تطبيق إلكتروني يقوم بتتبع كميات الأغذية الفائضة ويساعد العملاء من مطاعم ومطارات ومدارس ومستشفيات ومحلات البقالة على تخفيض هدر المواد والبضائع من خلال التبرع بها والتي خلافاً لذلك كانت ستلقى بالقمامة. وتقوم غودر آلياً بإصدار إيصالات تبرع ضريبية لكي يستطيع عملاء الشركة بواسطتها خصم قيمة التبرعات التي قدموها من ضريبة الدخل الخاصة بهم.
-
ثورة في عالم المواد الحيوية
المستهلكون يريدون منتجات أكثر استدامة والسلطات التنظيمية تفرض متطلبات لانبعاثات أقل، ولذلك فقد بدأ المنتجون يتحولون إلى التتابع الجيني وتعديل الجينات والذكاء الاصطناعي لصنع مواد حيوية وعمليات يمكنها أن تحل محل المواد البلاستيكية والرغوية والأقمشة الصناعية واللدائن ومواد أخرى مصنوعة من الكيماويات البترولية وكيماويات المعالجة.
وبفضل الأتمتة وأجهزة الكمبيوتر ذات القدرات العالية، أصبح المنتجون قادرين على ”هندسة“ البيولوجيا وإنتاج مواد ذات أداء أفضل وأكثر استدامة، والنتيجة هي ثورة في المواد الحيوية ستغيّر ما يدخل في صناعة ملابسنا وسياراتنا والسلع الإلكترونية والاستهلاكية التي نستخدمها، وكذلك مواد تغليفها. لقد شاهدنا حتى الآن الموجة الأولى الملابس المصنوعة من مواد زراعية ومواد تحل محل البلاستيك، وكذلك الأقمشة المصنوعة بواسطة عملية التخمير.
-
إزالة النقاط المجهولة في سلسلة التوريد ومساعدة الشركات الصغيرة
شركة Sourcemap تعهدت للشاحنين بشيء لم يكن بمقدورهم العثور عليه حتى الآن، وهو سلسلة توريد يمكن تتبّعها 100% وشفافة بالكامل، حيث أن برنامجها الإلكتروني يساعد الشركات على خلق خارطة متكاملة لعمليات التدقيق الإلزامي والامتثال الجمركي والاستدامة البيئية والاجتماعية واستمرارية الأعمال وتخطيط العمليات وغيرها.
ولذا تقول Sourcemap لعملائها: ”حددوا هوية الموردين الذين لم تكونوا على علم بوجودهم.“
كما توفر SME Climate Hub للشركات الصغيرة أدوات لاحتساب مادة الكربون بهدف مساعدة تلك المؤسسات على قياس الانبعاثات وتخفيضها والإبلاغ عنها. هذه الأدوات تسمح للشركات الصغيرة باتخاذ تدابير لحماية مناخية وتلبية المتطلبات المتزايدة من العملاء والمستهلكين للحصول على البيانات والتقارير ومعرفة سير العمل فيما يتعلق بانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
فيما توفر مبادرة SME360 والمدعومة من غرفة التجارة الدولية الأدوات التي تحتاج إليها الشركات الصغيرة لقياس وتتبع أثر الانبعاثات الخاصة بعملياتها على البيئة.
-
شحن بحري أكثر استدامة
قامت Yara Birkeland، وهي أول ناقلة حاويات مستقلة وخالية من الانبعاثات في العالم، برحلتها الأولى في أواخر سنة 2021، وهذه الناقلة التي تعمل بطاقة البطاريات سوف تُستخدم في نقل الأسمدة في النرويج وهي تنقل حمولات توازي ما يتم نقله حالياً بواسطة 40,000 رحلة سنوياً بشاحنات تعمل بالديزل.
تدرس صناعة الشحن البحري حالياً استخدام الميثانول والأمونيا، وهما من أنواع الوقود الأكثر نظافة، علماً بأن تكلفة إنتاجهما مرتفعة ومن الصعب الحصول عليهما بكميات كافية. تقول شركة ميرسك، أكبر شركة للشحن البحري في العالم، إنها تعمل مع شركاء لها في الدنمارك لتطوير انتاج الميثانول، وهو وقود غير كربوني، ابتداء من سنة 2023، علماً بأن ميرسك قد طلبت 12 ناقلة بحرية تعمل بالميثانول بتكلفة 175 مليون دولار للناقلة الواحدة وبحمولة قصوى تبلغ 16,000 حاوية حجم 20 قدم.
على صعيد البرامج الإلكترونية، تعتبر Searoutes واحدة من شركات عديدة تساعد الشاحنين على إعداد لوغاريتمات لتحديد مسارات خاصة بها وتوفير مجموعات من البيانات التي تهدف إلى تخفيض انبعاثات النقل البحري.
-
على الطريق
بطاريات الليثيوم، وهي العنصر الأساسي في كهربة السيارات والشاحنات، تواجه مشاكل خاصة بها، ومن تلك المشاكل محدودية المصادر المعروفة لمادة الليثيوم، حيث تتركز هذه المصادر في استراليا وتشيلي والصين بشكل رئيسي. مجموعة Berkshire Hathaway المملوكة من قبل Warren Buffett هي من بين أولئك الذين يبحثون عن أماكن جديدة للحصول على الليثيوم، وقد اكتشفت مؤخرا كميات هائلة من هذه المادة تحت بحيرة في ولاية كاليفورنيا.
وهناك مشكلة أخرى ذات صلة، وهي عدم وجود بنية تحتية لشحن المركبات التي تعمل بالكهرباء، وفي هذا الإطار، تحالفت Daimler وBlack Rock وNextEra لبناء شبكة شحن تغطي كافة أجزاء الولايات المتحدة لخدمة المركبات المتوسطة والثقيلة التي تعمل بكهرباء البطاريات والمركبات التي تعمل بواسطة الوقود الهيدروجيني.
وهناك شركة Hyliion ، وهي شركة أميركية تعمل على تطوير أنظمة طاقة للشاحنات الثقيلة ذات انبعاثات منخفضة أو صفر انبعاثات، قد جذبت اهتماماً كبيراً من المستثمرين والجمهور. إلا أن هناك مبتكرات أخرى حظيت بانتباه أقل لأنها تعمل في مجالات متخصصة. على سبيل المثال، تقوم Frigoblock وThermo King، بدور رائد في مجال تخفيض انبعاثات الأنظمة الكهربائية للشاحنات المبردة التي تستخدم في نقل الأغذية القابلة للتلف والأدوية وغيرها من المنتجات التي تحتاج لسلسلة توريد مبردة. وقد بدأت هذه الشركات بالعمل الآن على صنع مركبات عديمة الضجيج لكي يتسنى استخدامها في عمليات التوصيل خارج ساعات العمل في المناطق المدنية المكتظة.
-
تقصير سلاسل التوريد
حتى الآن، كانت تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد، مشوقة ولكنها محدودة للغاية منذ أن تم تطويرها للمرة الأولى في أوائل الثمانينات من القرن الماضي. وفيما عدا بعض الاستخدامات المتخصصة، كان ولا يزال من الصعب إدخال أو استخدام هذه التكنولوجيا في المنتجات عالية الثمن والتي تضم الكثير من المكوّنات.
توصلت Seurat Technologies إلى طريقة لتعجيل وإدخال الإنتاج ثلاثي الأبعاد واستخدامه في صنع منتجات متطورة وأجزاء تحتوي على معادن. وينطوي نجاح Seurat على استخدام طريقة لتجزئة الليزر إلى عدد كبير من الحزم التي تتم برمجتها للقيام بالطباعة الخاصة بها.
من مزايا الطباعة ثلاثية الأبعاد أنها تقصّر سلسلة التوريد بجعل الإنتاج أقرب إلى المستخدمين النهائيين والاستغناء عن الحاجة لنقل البضائع لمسافات طويلة.
-
الأنظمة
في الواقع، تتمثل معضلات الطاقة النظيفة في ثلاث إشكاليات: التوليد والنقل والتوزيع. إن مصادر الطاقة الجديدة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، إلى جانب أنواع الوقود الأحفوري الأكثر نظافة عند حرقه، توفر حلاً لكيفية توليد الطاقة بقدر قليل من الانبعاثات أو بدون انبعاثات. ولكن لن تكون هناك شبكة خالية من الانبعاثات بدون أنظمة تخرين تحتوي على طاقة طويلة الأمد والتي تعالج مشكلة محاولة تخزين الطاقة في ذات الوقت الذي نحاول فيه جعل عملية النقل والتوزيع أكثر نظافة وموثوقية.
إن مشكلة التخزين الطويل الأمد للشبكة نتجت عنه صناعة تعنى فقط باستخدام تقنيات جديدة وتقنيات قائمة – ميكانيكية، حرارية، كهربائية وكيميائية – لتخزين الطاقة من مصادر مختلفة وإطلاقها بكفاءة بتوافق مع الطلب.
-
فرصة للتميّز
فجأة أصبح لدى المستثمرين الأفراد الكثير من الخيارات لتوظيف مدخراتهم وغيرها من الأموال في استثمارات مسؤولة مصممة لخدمة مصالحهم.
إن الاستثمار المسؤول ليس شيئاً جديداً، لكن تنوع الخيارات المتاحة كبير وينمو باستمرار، ومن الأمثلة على ذلك، الاستثمارات المواضيعية التي تعرضها Fidelity. هذه الاستثمارات تشمل شركات تقوم بتطوير تقنيات إحلالية تحدث تغييرات عميقة في الوضع القائم أو مصممة لاستغلال التوجهات الكبري أو منظمة بواسطة الممارسات المستدامة والتنوع والحوكمة القوية. ومن قطاعات الصناديق المواضيعية: الصحة الرقمية والمركبات الكهربائية والحوسبة السحابية والطاقة النظيفة.
ما أريد قوله هو أنه لا يمكن أن ننكر وجود هذا الزخم الكامن وراء حل المشكلات العالمية الجادة ومما لا شك فيه أنه يحقق نجاحاً ويحدث فرقاً.
تقول ماكينزي إن رأس المال متوفر بشكل متزايد لأجل الجيل التالي من التقنيات، ويرى أن تلك التقنيات يمكن أن تجذب ما بين 1.5 تريليون و2 تريليون دولار أمريكي في استثمارات جديدة سنوياً بحلول سنة 2025. ومن المؤشرات في هذا الاتجاه أن خلق تحالف First Movers Coalition، وهو مجموعة من الشركات العالمية تضم أجيليتي، التي تتعهد بالمساعدة على بناء طلب سوقي مبكر على البضائع والخدمات ذات المحتوى الكربوني المنخفض.
إن الأمر يتطلب كل ذلك وأكثر لجعل عالمنا أكثر استدامة وأماناً وعدلاً. دعونا لا نتأثر سلباً بالعناوين المتشائمة التي تجعلنا نفقد حماسنا أو نخفق في إدراك أننا ماضون في تحقيق التقدم.